لزوم عقد الإجارة
recent

الخميس، 12 أغسطس 2021

لزوم عقد الإجارة





اتفق الفقهاء على أن عقد الإجارة عقد لازم لأنه من عقود المعاوضات التي يتم فيها مبادلة مال بمنفعة , واللزوم أصل في المعاوضات كما هو مقرر عند العلماء . واستدل الفقهاء لذلك بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } وهذا دليل لزوم العقد إذ الفسخ من جانب واحد ليس من الوفاء بالعقد . ولكن قال الفقهاء أن عقد الإجارة يفسخ لسببين : العيوب والأعذار . فسخ عقد الإجارة بالعيوب المقصود بالعيب هو ما تنقص به المنفعة ويظهر به تفاوت في الأجرة , واتفق الفقهاء أنه متى حدث عيب يخل بالانتفاع كان المستأجر بالخيار بين الإبقاء على الإجارة ودفع كامل الأجرة وبين فسخها , كما إذا حدث بالدابة المؤجرة مرض أو عرج أو حدث خلل أو عطل في محرك السيارة أو انهدم بعض بناء الدار وغير ذلك من العيوب في إجارة منافع الأعيان , وكذلك مثل أن يحصل في إجارة منافع الأشخاص ضعف في البصر أو جنون أو برص للشخص المستأجر للخدمة . والشرط في جواز فسخ العقد للعيب هو تأثيره في المنافع أما إذا لم يؤثر فيها بالنقص فلا يثبت حق الفسخ , ويستوي في ذلك حدوث العيب قبل العقد أو بعده لأن عقد الإجارة على المنافع وهي تحدث شيئا فشيئا , فإذا حدث العيب بالشيء المستأجر , كان هذا عيبا قبل القبض فيوجب الخيار كما في عقد البيع . فالشرط لبقاء عقد الإجارة لازما هو إذن سلامة العين المؤجرة عن حدوث عيب يخل بالانتفاع بها . فإذا حدث عيب ولكنه زال قبل أن يفسخ المستأجر العقد بأن صح المريض مثلا أو زال العرج عن الدابة أو بني المؤجر ما سقط من الدار , ففي هذه الحالة يبطل خيار المستأجر بالفسخ لأن الموجب للخيار قد زال , والعقد قائم فيزول الخيار . والمستأجر يمارس الفسخ إذا كان المؤجر حاضرا أثناء الفسخ فإن كان غائبا فحدث بالشيء المستأجر ما يوجب الفسخ فليس للمستأجر الفسخ , لأن فسخ العقد لا يجوز إلا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما . أما في حالة سقوط الدار أو انهدامها , فللمستأجر أن يخرج منها , سواء أكان المؤجر حاضرا أم غائبا , وهذا دليل الانفساخ . فسخ عقد الإجارة بالأعذار معنى العذر هو عجز العاقد عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد . والفرق بين العيب والعذر يتمثل في كون العيب هو ما ينقص منافع العين المعقود عليها بحيث لا تعد صالحة للانتفاع , أما العذر فهو الذي لا ينقص من المنافع ولكن يترتب على تنفيذ العقد معه ضرر على أحد العاقدين . وخلافا عن جمهور العلماء الذين قالوا بأن الإجارة عقد لازم كالبيع , والعقود اللازمة لا يجوز فسخها بالعذر , فلا تفسخ الإجارة عندهم إلا بوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة . ذهب الحنفية إلى أن الإجارة تفسخ بالأعذار لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر , فلو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد . قال ابن عابدين كل عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله , يثبت له حق الفسخ . والحنفية قسموا الأعذار الموجبة للفسخ إلى ثلاثة أنواع : 1 عذر من جانب المستأجر : مثل إفلاس المستأجر , أو انتقاله من الحرفة إلى الزرعة أو من الزراعة إلى التجارة , أو من حرفة إلى أخرى لأن المفلس أو المنتقل من عمل لا ينتفع به إلا بضرر , لا يجبر على البقاء في الحرفة الأولى مثلا , ومثله السفر أي انتقال المستأجر عن البلد , لأن في إبقاء العقد مع السفر ضررا به . ويترتب عليه : أنه إذا لم يحصل النفع للمستأجر إلا بضرر يلحقه في ملكه أو بدنه , فله فسخ الإجارة , كما إذا استأجر رجل صباغا لتنظيف ثياب وكيها أو خياطتها , أو دارا له , أو ليقطع شجرا , أو ليزرع أرضا أو ليحدث في ملكه شيئا من بناء أو حفر , أو ليحتجم أو يفتصد , أو يقلع ضرسا له ونحو ذلك , ثم بدا له ألا يفعل فله أن يفسخ الإجارة ولا يجبر على شيء مما ذكر لأنه تبين له ألا مصلحة له في العمل , فبقي الفعل ضررا في نفسه . . . 2 عذر من جانب المؤجر : مثل لحوق دين فادح به لا يجد طريقا لقضائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه . هذا إذا ثبت الدين قبل الإجارة بالبينة أو بالإقرار , أو ثبت بعد عقد الإجارة بالبينة , وكذا بالإقرار عند أبي حنيفة لأن الظاهر أن الإنسان لا يقر بالدين على نفسه كاذبا . وقال الصاحبان : لا يقبل ثبوت الدين بالإقرار بعد الإجارة , لأنه متهم في هذا الإقرار . ومثل أن يشتري المؤجر شيئا ثم يؤجره , ثم يطلع على عيب به , فله أن يفسخ الإجارة , ويرده بالعيب . ولا يعد السفر أو النقلة عن البلد عذرا للمؤجر يبيح له فسخ الإجارة على عقار , لأن استيفاء منفعة العقار في غيبته لا ضرر عليه فيه . وأما مرض الحمال والجمال بحيث يضره الحمل , فيعد عذرا في رأي أبي يوسف لأن غير الحمال أو الجمال لا يقوم مقامهما على الدابة أو الإبل إلا بضرر , والضرر لا يستحق بالعقد وهو الراجح . ويرى محمد في كتاب ( الأصل ) أن مرض الجمال لا يعد عذرا , لأن خروج الجمال بنفسه مع الإبل غير مستحق بالعقد فإن له أن يبعث غيره معها . ولعل هذا الرأي بالنسبة لسائق السيارة في عصرنا هو الراجح , لأنه لا يشترط سائق معين . عذر راجع للعين المؤجرة أو الشيء المأجور : مثال الأول : أن يستأجر رجل حماما في قرية ليستغله مدة معلومة , ثم يهاجر أهل القرية , فلا يجب عليه الأجر للمؤجر . ومثال الثاني : أن يؤجر رجل خادمه ( عبده ) سنة , فلما مضت ستة أشهر أعتق العبد , وأبى الخدمة فيكون العبد مخيرا بين الإبقاء على الإجارة أو فسخها . 


جاء في القوانين الفقهية لابن جزي ص 274 - 275

يشترط في المستأجر والأجير ما يشترط في المتبايعين , ويكره أن يؤاجر المسلم نفسه من كافر . ويشترط في الأجرة والمنفعة ما يشترط في الثمن والمثمون على الجملة . وأما على التفصيل فيشترط في الأجرة أن تكون معلومة , خلافا للظاهرية , ولا يجب تقديم الأجرة بمجرد العقد , وإنما يستحب تقديم جزء من الأجرة باستيفاء ما يقابله من المنفعة .


وأما المنفعة فيشترط فيها :

الأول - أن تكون معلومة إما بالزمان كالمياومة والمشاهرة , وإما بغاية العمل كخياطة الثوب , ولا يجوز أن يجمع بينهما , لأنه قد يتم العمل قبل الأجل أو بعده , وإذا استأجر على رعاية غنم بأعيانها لزمه رعاية الخلف عند ابن القاسم .


الثاني - أن تكون المنفعة مباحة , لا محرمة , ولا واجبة .

أما المحرم فلا يجوز إجماعا , وأما الواجب كالصلاة والصيام فلا تجوز الأجرة عليه وتجوز الإجارة على الإمامة مع الأذان والقيام بالمسجد , لا على الصلاة بانفرادها , ومنعها ابن حبيب مفترقا ومجتمعا , وأجازها ابن الحكم مفترقا ومجتمعا .


وقال القرافي في الفروق ( 3 / 4 )


متى اجتمعت في المنفعة ثمانية شروط ملكت بالإجارة , ومتى انخرم منها شرط لا تملك :

الأول - الإباحة : احترازا من الفن وآلات الطرب ونحوها .


الثاني - قبول المنفعة للمعاوضة : احترازا من النكاح .

الثالث - كون المنفعة متقومة : احترازا من التافه الحقير الذي لا يقابل بالعوض , واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب , فمنعه ابن القاسم ومثله في عصرنا تجفيف طيات القمر الدين .


الرابع - أن تكون مملوكة : احترازا من الأوقاف على السكنى , كبيوت المدارس والخوانق .

الخامس - ألا يتضمن استيفاء عين : احترازا من إجارة الأشجار لثمارها , أو الغنم لنتاجها واستثني من ذلك إجارة المرضع للبنها للضرورة في الحضانة .


السادس - أن يقدر على تسليمها : احترازا من استئجار الأخرس للكلام .

السابع - أن تحصل للمستأجر : احترازا من العبادات , والإجارة عليها كالصوم ونحوه .


الثامن - كونها معلومة : احترازا من المجهولات من المنافع , كمن استأجر آلة لا يدري ما يعمل بها , أو دارا مدة غير معلومة .

فهذه الشروط إذا اجتمعت جازت المعاوضة , وإلا امتنعت .


وجاء في المنهاج للنووي ومغني المحتاج ( 2 / 332 - 334 )


شرط الركن الأول - وهو المؤجر والمستأجر : كبائع ومشتر

وشرط الركن الثاني - وهو الصيغة : كونها بنحو آجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة بكذا , فيقول : قبلت أو استأجرت أو اكتريت . والأصح انعقادها بقوله : آجرتك منفعتها , ومنعها بقوله : بعتك منفعتها .


وهي قسمان : واردة على عين كإجارة العقار ودابة أو شخص معينين , وعلى الذمة كاستئجار دابة موصوفة , وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء .

ولو قال : استأجرتك لتعمل لي كذا , فإجارة عين , وقيل : ذمة . ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في مجلس العقد , وإجارة العين لا يشترط فيها ذلك . ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة . وإذا أطلقت تعجلت .


وشرط الركن الثالث - وهو الأجرة :

كون الأجرة التي في الذمة معلومة جنسا وقدرا وصفة كالثمن في البيع , فإن كانت معينة , كفت مشاهدتها إن كانت على منفعة معينة على المذهب , أو في الذمة على الأصح .


فلا تصح إجارة الدابة بنحو العلف , ولا يصح استئجار سلاخ ليسلخ الشاة بالجلد الذي عليها , ولا طحان على أن يطحن البر مثلا ببعض الدقيق منه كربعه , أو بالنخالة منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا .

وشروط الركن الرابع وهو المنفعة خمسة :


الأول - كون المنفعة متقومة : فلا يصح استئجار بياع على كلمة لا تتعب , وإن روجت السلعة .

وفي الإحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته , إذ لا مشقة عليه في التلفظ به . وكذا دراهم ودنانير للتزيين للحوانيت ونحوها , وكلب معلم للصيد ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب , لا يجوز استئجار كل من ذلك في الأصح في الجمع , لأن منفعة التزيين بالنقود غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة , والكلب لا قيمة لعينه , فكذا لمنفعته .


الثاني - كون المؤجر قادرا على تسليمها حسا أو شرعا , ليتمكن المستأجر منها . والقدرة على التسليم تشمل ملك الأصل وملك المنفعة .

فلا يصح استئجار آبق ومغصوب وأعمى للحفظ , وأرض للزراعة لا ماء لها دائم , ولا يكفيها المطر المعتاد .


ويجوز بالماء الدائم وبالمطر المعتاد , وماء الثلوج المجتمعة , والغالب حصولها في الغالب .

والامتناع الشرعي كالحسي , فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة , ولا حائض لخدمة المسجد , ولا منكوحة لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح .


ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل إلى مكة أو شهر كذا . ولا يجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة .

ويجوز كراء العقب في الأصح : وهو أن يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق , أو رجلين ليركب هذا أياما , وذا أياما , ويبين البعضين , ثم يقتسمان .


الثالث - كون المنفعة في كل من إجارة العين أو الذمة فيما له منافع كدار معلومة عينا وصفة وقدرا , ثم تارة تقدر بزمان كدار سنة , وتارة بعمل كدابة إلى مكة وكخياطة ذا الثوب , فلو جمعها , فاستأجره ليخيطه بياض النهار , لم يصح في الأصح . ويقدر تعليم القرآن بمدة أو تعيين سور , وفي البناء يبين الموضع والطول والعرض والسمك , وما يبني به إن قدر بالعمل .

الرابع - يشترط في إجارة دابة لركوب معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام , ومعرفة ما يركب عليه من محمل وغيره إن كان له .


الخامس - يشترط في إجارة العين تعيين الدابة , وفي إجارة الذمة ذكر الجنس والنوع والذكورة أو الأنوثة .

ويشترط فيهما بيان قدر السير كل يوم , إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة فينزل عليها .


ويجب في الإيجار للحمل أن يعرف المحمول وجنسه إن كان غائبا , لاختلاف تأثيره في الدابة . كما في الحديد والقطن , فإن الحديد يثقل في محل أقل من القطن والقطن يعمها ويتثاقل بالريح . فلو قال مئة رطل مما شئت , صح , وبدون : مما شئت , ويكون رضا منه بأقل الأجناس .


وقال في منار السبيل لابن ضويان الحنبلي ( 1 / 383 - 386 )


شروط الإجارة ثلاثة :

أ - معرفة المنفعة :


لأنها المعقود عليها , فاشتراط العلم بها كالبيع , مثل بناء حائط يذكر طوله وعرضه , وسكنى دار شهرا وخدمة آدمي سنة , لأنها معلومة بالعرف فلا تحتاج لضبط .

ب - معرفة الأجرة :


قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا , ولأنه عوض في عقد معاوضة فاعتبر علمه كالثمن وعن أبي سعيد مرفوعا : نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره رواه أحمد .

ج - وكون النفع مباحا :


فلا تجوز على المنافع المحرمة , كالغناء والزمر والنياحة , ولا إجارة داره لتجعل كنيسة , أو بيت نار , أو يبيع فيها الخمر ونحوه , لأنه محرم , فلم تجز الإجارة لفعله , كإجارة الأمة للزنا .

ويشترط كون النفع يستوفى دون الأجزاء :


فلا يجوز عقد الإجارة على ما تذهب أجزاؤه بالانتفاع به , كالمطعوم والمشروب والشمع ليشعله , والصابون ليغسل به , لأن الإجارة عقد على المنافع , فلا تجوز لاستيفاء العين . ولا يصح إجارة ديك ليوقظه للصلاة . نص عليه . لأنه غير مقدور عليه .

فتصح إجارة كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه , كالدور والحوانيت والدواب , إذا قدرت منفعته بالعمل كركوب الدابة لمحل معين , لأنها منفعة مقصودة . أو قدرت بالأمد , وإن طال حيث كان يغلب على الظن بقاء العين إلى انقضاء مدة الإجارة .


هذا قول عامة أهل العلم , قاله في الشرح , لقوله تعالى { على أن تأجرني ثماني حجج } الآية ( القصص : 27 ) .

ثم قالوا كالشافعية : الإجارة ضربان :


الأول - على عين :

فإن كانت موصوفة , اشترط فيها استقصاء صفات السلم , لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات , ولأن ذلك أقطع للنزاع , وأبعد عن الغرر , فإن لم توصف أدى إلى التنازع .


الثاني - على منفعة في الذمة :

فيشترط ضبطها بما لا يختلف , كخياطة ثوب بصفة كذا , أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته , وحمل شيء يذكر جنسه وقدره , وأن الحمل لمحل معين , لما تقدم .




مواضيع لاقت الاعجاب